النقاط » : 12257 تقييمي » : 48 الحالة » : لا شيء الجنس » :
الجوائز والأوسمة
وسام السنوية السابعة
وسام السنوية السابعة
موضوع: ثقب الجدار الثلاثاء 30 أغسطس 2016, 19:50
دائرة صغيرة موغلة في الصغر. تتوارى خجلا وسط مساحة رحيبة ممعنة في الاتساع تفصل بين عالمين مختلفين الاختلاف كله ... عالم داخلي ضيق و مكتظ و غامض يثير النفور و الضجر. تستحوذ عليه قتامه بغيضة و مناخ غير صحي و صمت مثل صمت القبور ... وعالم خارجي فسيح و صاخب يلتحف الأنوار و يستحم بالربيع... دنيا جميلة و رحيبة تلذ لها الأنفس. و تطمئن لها القلوب... كان جفن حنان لا يزال متشبثا بالثقب كما يتشبث المريض بأنبوبة الأكسوجين حين زمجر الزوج بصوت ملأ المكان رعبا و ضجرا: - حنان أين أنت؟ أريد ماء الوضوء فورا.- - أنا هنا .سيكون الماء بين يديك حالا – أجابت الزوجة و هي تقتلع بصرها اقتلاعا من ذلك الثقب السحري و المحبب إلى قلبها ... هي في هذا البيت الذي يوشك أن يكون كما الجزيرة المملة وسط محيط رحيب. الباب مغلق أبدا ،والنافذة الوحيدة لا تفتح إلا لماما. إنها زوجة فاتنة تترقرق الأنوثة في ملامحها مثل الماء الزلال...أما الزوج فهو شخص حاد الطباع و متحجر الأفكار و شديد الريبة و تتقمصه الشكوك مساء و صباح... يخشى أن تطال عين متطفلة زوجته الجميلة أو أن تسترق أذن متلصصة صوتها الرخيم. و المرأة البائسة تحيى في هذا المسكن الزنزانة وحيدة و تبتلع دقائق اليوم دقيقة دقيقة... الزوج ينصرف إلى عمله بعد أن يحكم إغلاق الباب بمفتاحين من صنفين مختلفين...و تبقى المرأة سابحة لوحدها وسط وحشة قاتلة و في انقطاع تام عن الدنيا و زخرفها و مباهجها. تزوجا منذ عقد من الزمن...أخوها كان مدينا لهذا الرجل بمال كثير. لكن شقيقها البائس يعجز عن سداد الدين...و للخروج من تلك الورطة يقرر الشقيق أن يزهد في شقيقته الوحيدة و يرمي بحنان في أحضان ذلك الرجل. رغم فارق السنوات رضخت حنان لرغبة شقيقها و نزواته ...في ذلك اليوم مزقت حنان قلبها الفتي إلى الأبد و قذفت به في بحر من الصمت و الوجع.. (زرابي...أفرشة...ورود..أواني من الفخار الفارسي...)... حنان تعرف صاحب الصوت جيدا انه البائع المتجول...شيخ وديع اعتاد أن يبسط بضاعته قريبا من بيتها. هرولت إلى حيث ذلك الثقب المتواري في جدار البيت . الزوج المتسلط لا يعلم قصة هذا الثقب... أزاحت حنان قطعة القطن من الثقب و أرسلت بصرها المتعطش لذلك النور و لتلك الألوان و تلك الأشياء الآسرة التي تفتقدها بين هذه الجدران المقفرة... أفرشة و سجاد و أحذية و ملابس و لعب أطفال. و بعيدا هناك تبدوا الأشجار المورقة التي تتوشحها الورود و الثمار . وتبدوا أيضا ألوان بديعة من السيارات و أشكال من البشر... كل تلك الصور المتلاحقة كان يتيحها هذا الثقب السخي مثل نافورة ماء سلسبيل في صحراء مجدبة ... كان الثقب هو الملاذ الوحيد و المتنفس اللذيذ لهذه الزوجة البائسة. دق..دق.. ينتفض الباب معلنا وصول الزوج قبل الموعد...دخل متجهم القسمات و كانت تلك سيرته. تهرع المرأة إلى غلق الثقب بأنامل مرتعشة و أفكار مضطربة و خوف من المجهول. - يومك سعيد – تحيي زوجها باقتضاب. سألها بكلمات بغيضة و مكررة: - من قرع الباب أثناء غيابي – - صاحب اللبن جاء يطلب ما عليك من دين- أجابت في جفاء. قال يتصنع الغضب: - ويحك أن يكون ذلك النذل قد سمع صوتك – أجابت في شرود : - لقد أجبته على ورقة دفعتها إليه تحت الباب- و قص عليها الزوج و هو يقتلع حذاءه الضخم و جواربه المنتنة . مشكلة جديدة طرأت بينه و بين رئيسه في الورشة...مناوشة كبيرة كادت تنتهي بتشابك بالأيدي. انتبهت حنان هذا الصباح على جلبة غير معهودة...زوجها غائب لبعض شأنه خارج المدينة... إنها فرصة كي ينهل بصرها الظامئ من أنوار ذلك الثقب الأسطوري و تستعيد في الوقت نفسه لحظات من السعادة ...مثل العادة أزاحت قطعة القطن عن الثقب...آآآآآآآآآآآه...آهة عميقة أرسلتها الزوجة الشابة في ألم... و صاحت : - يا للصدمة ؟ غير معقول ؟ - و تنحدر الدموع تباعا على خذها الأسيل. لقد ارتفع بناء جديد و سامق جدا قبالة الثقب مباشرة...
نيمو شتاين - الإدارة العـامة
النقاط » : 38713 تقييمي » : 5108 الحالة » : هجوم على الألحان المرحة الجنس » :
الجوائز والأوسمة
وسام السنوية العاشرة
وسام السنوية العاشرة
موضوع: رد: ثقب الجدار الأربعاء 31 أغسطس 2016, 09:59