منتديات الألحان المرحة ® ALHAN MAREHA
وقال الدرهم:...!  P_20737hqei1



 
الرئيسيةمكتبة الصورالأحداثبحـثالمنشوراتأحدث الصورس .و .جالتسجيلدخول
سأعاود التواصل معكم قريباً جداً .. نحن الآن في تاريخ 10/5/2024
إن شاء الله ، لدي شيء ما لأفعله قبل العودة إلى المنتدى معكم♥
كونوا بصحة جيدة ، و احملوا في قلوبكم الكثير من البهجة و الحب♥
من إدارة المنتدى : نيمو شتاين


 

 وقال الدرهم:...!

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
طيف المحبة
¬ مبتدىء
¬ مبتدىء
طيف المحبة

النقاط » النقاط » : 12257
تقييمي » تقييمي » : 48
الحالة » الحالة » : لا شيء
الجنس » الجنس » : انثى
الجوائز والأوسمة
وسام السنوية السابعة
وسام السنوية السابعة



وقال الدرهم:...!  Empty
مُساهمةموضوع: وقال الدرهم:...!    وقال الدرهم:...!  I_icon_minitimeالثلاثاء 30 أغسطس 2016, 19:47

[b]وقال الدرهم:...! [1]

[/b]

مصطفى النعامين
[size=24]ولجَ - برجله اليمنى - باب بيته آتيًا من مسجده، سلك يده في جيبه، فأخرَج سواكًا، وبعد أن فرَك رأسه بإبهامه وسبابته: شاصَ[2]به فاه، ثم ألقى على مَن في البيت السلام، يمَّم - وقلبه يفيض طمأنينةً وسعادةً - إلى مصلاه في ناحية البيت، ولكنه قبل أن يَخطو بضع خطوات: أدركه صوت زوجته:
أبا مسلم....
وقبل أن تُتمَّ كلامها توقَّف، واستدار مبتسمًا!.
نعم يا أم مسلم،ماذا تريدين؟.

طالعت نظراتها صفحة وجهِه المُشرقة بنور يتلألأ بِشرًا وسرورًا، ودَّت في قرارة نفسها أنْ لو استطاعت ألا تفسد عليه وعليها وعلى البيت كله: ما أنعم الله به عليهم من المودة والرحمة والسكينة...

لكن... لا بدَّ مما لا بد منه!
لم يبقَ في البيت دقيق...!

تنهَّدت؛ وكأنها ألقت عن كاهلها حملاً ثقيلاً، شفعَت ذلك بابتسامة حانية؛ علها تُخفِّف من وقع العبارة على زوجها؛ فلطالما حرصت - سِني حياتها السعيدة معه - على أن تُواري عنه كل ما يعكِّر عليه صفو حياته، لقد تحرَّت - صادقةً - أن تكون الزوجة الصالحة لهذا الزوج الصالح.

حدَّقت في وجهه كَرَّةً أخرى، أيقنَت أن عبارتها طارت به إلى عوالم رحبَة، وفضاءات نيِّرة، سبحان الله!، لم يكن مِن العسير عليها أن تكتشف هذا بعد أن تأمَّلت قسمات وجهه، وكأن بدرًا أطلَّ منها، وعينَاه اللتان تُبحران في يمٍّ مِن التأمل الحالم كلما نظرَتا - نظر المتدبِّر - في شيء من آيات الله البينات، تخطرها في باحات الفكر شؤونُ الحياة، تذكَّرَ لحظتئذٍ ما كان مِن شأن مريم التي﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.

ردَّد قلبُه المُترَع بالإيمان: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ مرةً واثنتين وثلاثًا، حتى كأنه صار - بما فاضَ على قلبه مِن نورِها وبهائها - أغنى مِن كل أغنياء الدنيا، ولِمَ لا؟!، وهو قد سمع - فيما صحَّ مِن خبر خير البرية - أنه - صلوات الله وسلامه عليه - أتاه يومًا رجل فقال: إني مجهود،فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلنَ كلهنَّ مثل ذلك: لا، والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء[3].

وها هي امرأته تقول له:لم يبقَ في البيت دقيق.

وأراد أن يُرخي لخياله العنان؛ ليجول به في رياض الكتاب المبين والسنَّةالمطهرة، لولا أنه أطل مِن شرفة ذاته، فرأى امرأته ما زالت واقفةً أمامه تَنتظِر ردَّه.

هل عندكِ شيء؟، سألها.

وقبل أن يتوقع الجواب، باغته صوت زوجته مبشرًا:
درهم؛ بِعنا به غزلاً.

خيل إليه - من نبرات صوتها - وكأنها تقول: ألف درهم، كلمات زوجته ليست ككلمات كثير من الناس!، إنها تَنبجِس مِن قلب قَنوع غنيٍّ رضيٍّ، إنها تُحيل الفقر غنًى، والتعاسة سعادةً، واليأس أملاً، كلماتها تُشبه ماءً عذبًا سلسبيلاً زلالاً، يتدفَّق مِن عين ينبوع ثرٍّ سخي، يرتوي مَن رآه مِن مَرآه!.

إنها مِن اللاتي إذا نظر إليها زوجها سُرَّ فؤادُه، وإذا سمع كلامها تبدَّدت أحزانه، وكأن شيئًا مما وعده به مولاه في أخراه، عُجِّل له في دنياه؛ فإنه طالما دعا في أوقات الإجابة: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

أغمضَ عينيه للحظة، قال في نفسه:ما أحوجَ الرجلَ إلى زوجة صالحة!.

وما أحوج المرأة إلى أن تكون زوجةً صالحةً!.

نعم؛ ما أحوج المرأة إلى أن تكون زوجةً صالحةً؛ فإنها إن لم تكن كذلك، فهي - مِن نفسها - في جحيم، وزوجها منها في عذاب لا قِبَل له به، وأولادها منها في سعير من الحياة لا يطاق، وإن هي كانتْها، فهي: الجنة المعجَّلة لا لنفسِها ولزوجها فحسب، بل لكل مَن يمتُّ لها بسبب؛ مَن ولد، وقريب، وجار[4].

همَّ أن يُسرِّح فكره متأمِّلاً ما وعاه قلبه مِن صفات الزوجة الصالحة، وما أعدَّ الله لها عنده، لكنه تذكر أن عليه أن يَمضي إلى السوق؛ ليَشتري لأهله الدقيق؛ لعلهم يطعمون.

قال وهو يَمضي نحو الباب:
هاتيه، وهاتي كيسًا.

غابت قليلاً، ثم جاءت، ناولته الدِّرهم والكيس.

رافقته إلى الباب، نظر في وجهها، ابتسمت، قال مُتصدِّقًا: السلام عليكم، ومضى.

ألقى نظرةً عجلى على نعلَيه الملقيين عند عتبة الباب، دسَّ قدمه اليُمنى في حذائه، ثم اليسرى، وقبل أن يَخطو خطوةً واحدةً، قال: "بسم الله، توكَّلتُ على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضلَّ أو أُضِلَّ، أو أَزلَّ أو أُزَلَّ، أو أَظلِمَ أو أُظلَم، أو أَجهَل أو يُجهَل عليَّ"[5].

أصغى رأسه رويدًا، وكأنه يسمع صوتًا خفيًّا[6]، هزَّ رأسه قائلاً كالمحدِّث نفسه بصوت خفيض: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

أحسَّ بفيض مِن الحبور غامر، وقَف برهةً، ازدادت ابتسامته إشراقًا، وهو يُنادي من مكان قريب: "هُديتِ وكُفيتِ ووقيتِ"[7].

ثلاثٌ لا يسرُّني أن لي بها الدنيا وما فيها، وما قيمة الدنيا بدونها؟!.

...فيَتنحَّى عنه الشيطان، فيقول شيطانٌ آخَر: كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووقي؟[8].

مشى نحو الطريق المُفضي إلى السوق آمنًا مطمئنًّا، وقلبه ولسانه مُعلَّقان بذكر الله، مضى يردُّ السلام حينًا، ويُلقيه أحايين على مَن يلقاه مِن السابلة، الذين يَكثُرون كلما اقترب مِن السوق.

مدَّ يده بحركة عفوية إلى جيبه؛ يتلمس الدرهم القابع فيه، لم يتمالك نفسه مِن التبسُّم، وهو يتخيَّل أن الدرهم يُخاطبه:
اطمئن، اطمئنَّ يا سيدي، ما زلتُ هنا، إنه لعزيز عليَّ فراقك، ولو كنتُ أستطيع: ما فارقتُكَ طرفة عين، ولو أنَّ لي عينَين ودموعًا: لبكيتُ يوم رحيلي عنك، ولرجوتك أن أظل بقربك مالاً حلالاً طيبًا، ولكن لا مَحيص عن الفراق!.

أتدري يا سيدي لمَ؟، لمَ المقام بقربك مما يُفرَح له، ويبتهج به؟.

لكونك لا تفتأ تَذكُر ربَّك، ونحن - معاشر الدراهم - شأنُنا في هذه الفضيلة شأن سائر مخلوقات الله؛ نُسبِّح ربنا، ونقدِّسه، وبهذا أخبركم ربُّكم في كتابه الكريم بقوله: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾.

فما أجملَ صحبةَ ذاكر مع ذاكر!.
وما أطيبَ صداقةَ مُسبِّح مع مُسبِّح!.
حتى وإن كان درهمًا جمادًا!.
إنها منة من الكريم الوهاب القائل: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾.
إن هذا الذي أنا في جيبه - يقول الدرهم الوحيد - مِن القليل[9]الكثير[10]من الناس... أسكَتَ صوتَ الدرهم؛ وكأنه خشي أن يتسلل إلى نفسه شيء من الإعجاب بالنفس!.

شعر كأنه تأخر على أهله، لعلهم جاعوا، أسرع في مشيته، على مرمى نظرة منه بَدا له دكان الطحين، قطع عليه صمتَه صوتُ رجل رثِّ الثياب، يَنطِق لسان هيئته المزرية بالبؤس والحرمان قبل أن يَنطِق بذلك لسانه...
اقترب الرجل منه، مدَّ يده ذليلاً مستكينًا:أعطني مما أعطاك الله!.

تصفَّحتْ نظراته المُشفِقة وجه الرجل!.
صعَّد فيه النظر وسفَّله!.
تلا قلبه:﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وفي لحظات بهيات منيرات، وبحركة عفوية متهلِّلةِ الأسارير: مضت يده اليمنى مسرعةً إلى جيبه؛ حيث يرقد الدرهم الدامع العينين مِن حزن وفرح، أمسكَ به، وكأنه يمسك بجمرة من نار يريد أن يتخلص منها، وفي لمح البصر أودعت اليدُ العليا الدرهمَ اليدَ السفلى التي ما زالت ممدودةً...
ألقى على الدرهم نظرته الأخيرة قبيل أن تَقبِض عليه يد السائل!.
كأنه سمعه يقول له:إلى اللقاء... قريبًا!.
ابتسم السائل، ودعا... ودعا، ثم مضى لحالِ سبيله!.

وهبَّت في تلك اللحظات على قلبه نسائمُ نديةٌ مِن السعادة الغامرة، وأنارت جوانبَ النفس المطمئنة كواكبُ لؤلؤية براقة، وتفتَّقت أكمام الآمال عن زهور الأجور الفواحة العبير، وغدا القلب جنةً يَتيه البصر في جنباتها، مأخوذًا مدهوشًا، كأنما هو طائر غَرِد، كلما حطَّ على فننٍ دعاه إليه فننٌ آخَر، لا يكاد فؤاده يرتوي مِن فيض الجمال، وسِحر البهاء!.

أفاق مِن حلم ودَّ أن لو لم يُفِق منه ما دام حيًّا!.

اعتذر مِن هاتيك الرؤى الخلابة الإقبال والإدبار، حاول أن يَهبِط من عليائها إلى دنياه، وقع بصره على دكان الدقيق، همَّ بدخوله، ولكنه تذكر أن الدرهم سبقه إلى آخرته!.

وقف، لم يَطُل وقوفه، استدار، ثم كرَّ راجعًا سبيله الأولى، والبسمة لا تنفك تتلألأ على محياه مستمدةً حياتها وإشراقها ورُواءها مِن ينابيع الإيمان النضاخة في القلب، المتجلية على الجوارح طاعات خالصةً لا يرجو - منها ولا بها - مِن أحد جزاءً ولا شكورًا.

لقد رحَل الدرهم، لكنه أعقب سعادةً لا تُشترى بطلاع الأرض ذهبًا، فالكريم يريد منك أن تكون كريمًا بما أكرمك، فإن استجبتَ، أعطاك ما لا يُشترى بالدراهم والدنانير مما وعد الله به عباده الصالحين: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، هو: باب من أبواب السعادة مفتوح على مصراعيه الليل والنهار!.

فكما أن للسعادة في دنيا الناس السُّفلية: أبوابًا، فإن لها كذلك في الجنان العلوية: أبوابًا، فمَن وُفِّق إلى هذه في أولاه، كوفئ بتلك في أُخراه؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة: يا عبد الله، هذا خير؛ فمَن كان مِن أهل الصلاة، دُعي مِن باب الصلاة، ومَن كان مِن أهل الجهاد، دعي مِن باب الجهاد،ومَن كان مِن أهل الصدقة، دُعي مِن باب الصدقة، ومَن كان مِن أهل الصيام، دُعي مِن باب الريان))[11].

تابع[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
طيف المحبة
¬ مبتدىء
¬ مبتدىء
طيف المحبة

النقاط » النقاط » : 12257
تقييمي » تقييمي » : 48
الحالة » الحالة » : لا شيء
الجنس » الجنس » : انثى
الجوائز والأوسمة
وسام السنوية السابعة
وسام السنوية السابعة



وقال الدرهم:...!  Empty
مُساهمةموضوع: رد: وقال الدرهم:...!    وقال الدرهم:...!  I_icon_minitimeالثلاثاء 30 أغسطس 2016, 19:47

[size=24]آه!: لو يعلم الأغنياء البخلاء بما يَجده الفقراء الأسخياء الكرماء مِن السعادة، وانشراح الصدر: لما بَخلوا على أنفسهم الشحيحة بما يُداوي عِلَلها، ويُبرئ أدواءها، التي لا خَلاص لها منها إلا بأن يَبسطوا - بالبذلِ والإعطاء - أيديَهم المغلولة إلى أعناقِهم، ولن يكونوا قادرين على هذا إلا إذا استطاعوا أن يُخرجوا المال من قلوبهم إلى أيديهم، فيُصيِّروه بهذا عبدًا لهم، يَخدمهم ويُحقِّق رجاءاتهم، بدل أن يكونوا هم - بشُحِّهم وبُخلِهم - عبيدًا له.

لقد نقَّبوا - بالدرهم والدينار - عن السعادة أقطار المعمورة، فلم يَجدوها، جابوا أمصار الأرض، وما مِن لذَّة محرَّمة وغير محرَّمة إلا ذاقوها!.

أنفَقوا القناطير المُقنطَرة مِن الذهب والفضة على شهواتهم الهابطةالخسيسة، وسقطوا كالذباب على اللحوم المُنتنة الخَبيثة، وملؤوا بطونهم مِن أمِّ الخبائث، وأرْخَوا لنفوسِهم الأمَّارة بالسوء الزمام، حتى وَلَغَتْ في مباءات الإثم والرذيلة...

فبمَ آبوا مِن بعد ذلك كله!!؟.
إنه: الخُسران المبين!!؟.
آبوا بما آبَ به الذين حذَّرنا مولانا الرحيمُ طريقَهم في قوله: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ*مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ ، وفي قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾.

ولقد كان نبع السعادة التي ضلَّ طريقَها سوادُ الأغنياء الموسرين على مرمى مدِّ أحدهم يدَه إلى أرملة أو مسكين، ليكون إن كان بذلك مِن المخلصين ممن بشَّرهم رب العالمين، في إخباره الكريم أنهم:﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

تمنَّى في تلك اللحظات، لحظات وجدان حلاوة الإنفاق: أن لو يشاركه تذوُّقَ لذَّتها: كلُّ غنيٍّ بخيل، بل كل مَن أنعم الله عليه بمال كثير أو قليل؛ لعله يصحو قبل أن يَصيح - ولا مجيب -: ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ﴾!!؟.

وانثالت على خاطره شآبيب مِن آيات بينات، وأحاديثشريفات، وآثارمنيفات في فضل الإنفاق في سبيل الله، فاستنارت أرجاء الفؤاد، وأشرقت أسارير المُحيا؛ وعرى الروحَ فرحٌ إيماني وهاج نوراني، وكأنما ملَكَ بالدرهم الدنيا، وأحسَّ - وهو يحثُّ خُطاه صوب بيته - وكأنَّ ما على وجه البسيطة مِلْكُ يَمينِه...!.

ولمَ لا؟!، وهو ينعَم - بدرهم - بما لا ينعم به أغنى أهل الأرض مِن الأشحَّاء، ثم أليس هو من الصدق مع ربه: أن لو كان يملك ما يَملكون، لقال به هكذا وهكذا في سبيل ربه؟، أليس يؤجَر على هذه النية الصادقة؟.

بلى والله، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقَه الله مالاً وعِلمًا، فهو يتَّقي فيه ربه، ويَصِل فيه رحِمَه، ويعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علمًا، ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً، لعملتُ بعمل فلان، فهو بنيَّته، فأجرهما سواء))[12].

كانت هذه الخواطر الإيمانية السارَّة تُراوده، وهو ماضٍ نحو بيته، يَحمِل كيسه الفارغ، لم يسأل نفسه عما سيقوله لأهله إن هم سألوه: أين الدقيق؟.

وقبل أن يُجيب هو نفسه عن هذا السؤال: حانت منه التفاتة، فرأى كومةً من النشارة أمام دكان نجار، قال في نفسه: لم لا أملأ هذا الكيس نشارةً؛ لعلَّنا نتخذها وقودًا، ملأ كيسه نشارةً، وواصل سيره إلى بيته...

خواطر شتى تلوح في سماء مخيلته، غير أنه ليس منها ذلك الخاطرالشيطاني،[13]الباث في أرجاء النفسِ الهلعَ: مِن أين سنأكل؟!، وبمَ نُعلِّل صبياننا حينما يُداهِمهم شبحُ الجوع؟!، فما هو إلا أن تأخذ بالأسباب الممكنة، ثم تدع الأمر إلى الرزاق ذي القوة المتين، والإنفاق في سبيل الله: أحد هذه الأسباب، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((قالالله - تبارك وتعالى -: يا بنَ آدم، أَنفِق أُنفِق عليك))[14]، وقال - جلَّ وعلا -: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾، هزَّ رأسه، وتمتمت شفتاه: ﴿فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.

دلف إلى فناء بيته حاملاً كيسَه المملوء نشارةً ثم دخل البيت، يبدو أن زوجته كانت مشغولةً في بعض شأنها؛ فلم تلحَظ إيابه، ألقى الكيس المُوكَى في ناحية الدار، قال لأحد أبنائه: سأعود - إن شاء الله - بعد صلاة المغرب، ثم خرَج من البيت.

صلى مع الناس العشاء الأولى، ودَّعه باب المسجد إلى داره، مضى بخطوات مثقلة نحوها، همَّ مرةً أو مرتين أن يعود إلى المسجد، لكنه لم يفعل، لم يَطُل سيرُه؛ فقد كان بيته قريبًا، دخَل، سلم على أولاده، كانوا مُتحلِّقين يَنتظرون كعادتهم طعام العشاء، ابتسم لهم، وجلس يُحدثهم، قطع حديثه حينما رأى زوجته تَحمل أرغفة الخبز الساخن، وتضعها على المائدة!.

حدَّق في الخبز غير مصدِّق بصره!؟.

قال لزوجته:من أين هذا الخبز؟.

نظرت إليه نظرة استغراب قائلةً:سبحان الله!، مِن الدقيق الذي اشتريته لنا!.

وقبل أن يمد يده إلى الخبز، كانت دموع الشكر تَنهمِر مِن عينيه، وكأنها تُرتِّل بخشوع وإخبات: قول ربِّها الولي الحميد: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
[1]هذه القصة مستوحاة من خبر أورده الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى - في "سير أعلام النبلاء"، في ترجمة التابعي العظيم: أبي مسلم الخولاني - رحمه الله تعالى – وهي: محاولة متواضعة للفت أنظار الجاهلين بحال سلف هذه الأمة، وتبصيرهم بمكانتهم عند الله - سبحانه وتعالى - لعلهم يرجعون عما هم فيه مِن تقليد علوج الشرق والغرب، ممن صنعهم أعداء الله من شياطين الإنس على أعين شياطين الجن.
[2]شاص: استاك.
[3]متَّفق عليه.
[4]كأني قرأت شيئًا من هذا في بعض مقالات الرافعي - رحمه الله تعالى - ثم أُنسيت أين كان ذلك.
[5]أخرجه أبو داود، وصحَّحه الألباني.
[6]هو ما أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: ((فيقول شيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووقي؟)).
[7]أخرجه أبو داود، وصحَّحه الألباني.
[8]السابق.
[9]قال تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾.
[10]قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾.
[11]أخرجه الشيخان.
[12]رواه الترمذي، وصحَّحه الألباني.
[13]قال تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.
[14]متَّفق عليه.[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
وقال الدرهم:...!
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الألحان المرحة ® ALHAN MAREHA :: معرض المواهب و الإبداعات :: مؤلفاتي في القصص و الروايات ~ ❊-
انتقل الى: